هذه الصبية لن تحبك، وهذا الشاب لا يرغب بصحبتك، وذلك الجار لا تعنيه جيرتك شيئًا ولن تؤثر عليه إن بقيت أو رحلت. حتى صديقك القديم مل منك، ورغب عنك، ولم تعد أنت وجهته الأولى ولا الأخيرة ربما. تلك الشركة – في معظم الأحيان – لا تحتاجك، والوظيفة التي رفضوا أن تتسلمها ستُشغَل غدًا أو بعد غد، ومديرك الذي خرجت من مكتبه مغضبًا نسي الموضوع بعد فورة غضبك تلك بنصف دقيقة والتفت لعمله، حتى صاحب السيارة الذي عرضتَ عليه مبلغًا لم يعجبه سيجد مشتريًا غيرك ويعود إلى بيته وهو يعد نقوده سعيدًا.
أرأيت كل هؤلاء؟ لا تبتئس (ولا يحق لك أن تفعل) إذا أسررت إليك أن حياتهم ستسير بشكل عادي، وسيجدون لك بديلًا، ولن تتوقف دورة حيواتهم عندك، وانتبه معي هنا، حتى لو توقفت حياتك عندهم! لماذا يا ترى؟ لأن الحياة لا تتوقف على أحد، ولا تمتنع الأرض عن الدوران لغيابه، ولا تكف الشمس عن الشروق والغروب إذا ابتعد! ستجرب هذا الأمر إذا قدَّر الله عليك وفقدت عزيزًا. ستعرف أن الأيام لن تخفف من سرعتها بانتظار أن تفيق من صدمتك، وكل ما حولك سيسبح في فلكه كما فعل بالأمس وكما سيفعل غدًا، وستركض المقادير إلى ما هي مقدرة له دون هوادة.
قلتُ كل هذا لأمهد لك ما يلي: كل ما استوعبت أن الناس في غنى عنك أدركت أنك كذلك في غنى عنهم، وهان عليك ترك كل شيء وراء ظهرك والمضي قدمًا. لا توقف عجلة الزمن عندهم، ولا تظنن أن الكوكب سيخلو من بعدهم وستجدب الأرض ويموت كل شيء.
هم ليسوا أشرارًا، صدقني، ولا أنت عدو لهم، لكن هذه نواميس الكون. يغلِق الله بابًا ويفتح غيره، فكما ترفُض تُرفَض، وكما تتجاهل تُتجاهل، ولا ضير في هذه أو تلك إذا فهم الناس أن لا مفر من هذا كله.
قم يا صديقي، انفض ذلك الغبار عن ثيابك، وخذ العبرة، وافهم الدرس، وتسلح بالتجربة، وانطلق!